فصل: مسألة الرجل يزوج ابنته البكر ويقر بقبض الصداق:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة أقر في مرضه بأنه قد قبض صداق ابنته ومات:

وسئل أشهب عمن أقر في مرضه، بأنه قد قبض صداق ابنته ومات، قال: إن كان له مال أخذ من ماله، وإن لم يكن للزوج إليها سبيل إلا بالصداق يدفعه ويتبع به الميت المقر، قال أصبغ: هذه عندي مثل المسألة التي أوصى أن يزوج ابنته ابن أخيه. ويمهر عنه من ماله، وقد قال فيها أيضا إنها وصية لابنته، فإحداهما ترد الأخرى من قوله، وهذه غفلة، هي ها هنا أولى بأن تلحق بالأخرى، ولا أرى أن يجوز إقراره إذا كان في مرض يحجب عنه القضاء في ماله، فهي تهمة كتهمة وصية، وتصير كأنها وصية لها وتوليجا، وإن كان ابن وهب قال لي مثل قول أشهب في إجازته لم يزل ذلك قول ابن وهب.
قال محمد بن رشد: قول أشهب في الذي أقر في مرضه أنه قبض صداق ابنته ومات، إنه يؤخذ من ماله إن كان له مال، معناه: إن كان الزوج موسرا له مال؛ لأنه إذا كان موسرا فلا تهمة على الأب في إقراره؛ لأنه حق للزوج، أقر له به، لا منفعة للابنة فيه؛ لأنها إن لم تأخذ صداقها من مال أبيها أخذته من زوجها، لتقرره لها عليه، وثبوته في ذمته قبل الإقرار، وأما إن كان معدما لا مال له، فهي وصية لابنته، لا يؤخذ لها ذلك من ماله؛ لأنه يتَّهم أن يكون إنما أراد أن يولج إليها من ماله الصداق الذي قد نوى بكونه على معدم، فلا تشبه هذه المسألة مسألة الذي أوصى أن تزوج ابنته ابن أخيه، ويمهر عنه من ماله؛ لأن الصداق لم يكن واجبا على الزوج قبل الوصية، وإنما وجب للابنة في مال الأب بقبول الزوج النكاح على ذلك، فلذلك قيل فيه إنها وصية للابنة، ولو زوَّج رجل ابنته من رجل بصداق سماه، ثم أوصى في مرضه أن يؤدى من ماله الصداق على الزوج لابنته، والزوج موسر لجاز، وكانت وصية للزوج باتفاق، فتفرقة أشهب بين المسألتين صحيحة، وما نسب إليه أصبغ من الغفلة في ذلك لائقة به في المساواة بينهما على ما ذكرناه. والله أعلم. وقول أشهب: وإن لم يكن له مال لم يكن للزوج إليها سبيل إلا بالصداق يدفعه ويتبع به الميت المقر هو على أصله في المسألة التي بعدها خلاف مذهب ابن القاسم، وسيأتي الكلام على ذلك إن شاء الله وبالله التوفيق.

.مسألة قبض الآباء صدقات البنات:

قال أصبغ: قال لي أشهب في قبض الآباء صدُقات البنات: إن ما قبضوا ببينة أو بغير بينة، فليس ذلك بسواء، يريد أن ما قبضوا ببينة فزعموا أنه ضاع، أن ضياعه من الابنة، وليس على الزوج من الضياع شيء ولا على الأب، ويدخل الزوج بامرأته. وإن كان بغير بينة ولم يكن للزوج إليها سبيل إلا بدفع الصداق. وقال ابن وهب مثله سواء حرفا بحرف، سألتهما عنهما فاجتمعا لي على هذا القول، وزاد ابن وهب في التفسير والكلام، ولا شيء على الأب في الضياع. وإن كان الدفع بغير بينة، فالقول قوله، غير أنه لا سبيل للزوج إلى المرأة إلا بدفع الصداق، ولا يصدق الأب على أنه قبضه كانت مسألته في الإنكار، وهو كله رأي أصبغ.
قال محمد بن رشد: قول أشهب وابن وهب هذا إن الزوج لا يبرأ من صداق زوجته البكر بإقرار أبيها بقبضه إذا ادّعى تلفه، خلاف قول ابن القاسم في آخر هذا السماع، وفى أول رسم منه، وخلاف ظاهر قول مالك في المدونة وغيرها: إن الغريم يبرأ من الدين الذي عليه بإقرار الوصي والوكيل المفوض إليه بالقبض، وإن ادعيا التلف، بخلاف الوكيل الذي ليس بمفوض، فحكم ابن وهب وأشهب للأب في إقراره قبض صداق ابنته البكر قبل الدخول، بحكم الوكيل الذي ليس بمفوض إليه. ولا اختلاف بينهم في أنه يبرأ من الصداق بعد الدخول بإقرار الأب أو الوصي يقبضه منه وإن ادّعى تلفه. وبالله التوفيق.

.مسألة المرأة تصدق الصداق عينا فيتلف منها ثم يطلقها قبل الدخول:

قال أصبغ: وسئل ابن القاسم عن المرأة تصدق الصداق عينا فيتلف منها، ثم يطلقها قبل الدخول، أيرجع عليها بشيء؟ قال: نعم هي ضامنة، إلا أن يأتي أمر معروف يعرف هلاكه وتلفه ببينة تقوم على ذلك بغير ضيعة منها فلا ضمان عليها. قال أصبغ: لا يعجبني وأراها ضامنة وغارمة على كل حال، قامت بتلفها ببينة أو لم تقم، بضيعة أو بغير ضيعة، وليس العين في هذا كالعرض والحيوان العين عين مضمونة ساعة تستوفيه، ومال من مالها، والزكاة جائزة عليها، فلو زكتها أعواما ثم طلقها لم يكن عليه من ذلك الزكاة شيء، ولم تدخل الزكاة عليه كما تدخل في المواشي للضمان والاعتقاد، فأراها عليها على كل حال، تبعها بضعها. ولو اشترت جهازا بأمر ظاهر معروف أو منسوب، ثم سرق الجهاز، أو أصابه أمر فضاع أو تلف، لم أر عليها ضمانا ولا غرما وكان كما لو أصدقها إياه بعينه فتلف بعد ذلك. وقال ابن الماجشون: كل ما يضمنه المستعير فالمرأة إذا أصدقته فهي له ضامنة إذا ضاع عندها، إلا أن تقوم لها بينة على هلاكه، وعليها أن تخلف ذلك من مالها إذا لم تقم لها بينة على هلاكه، يشتري به جهازا لزوجها، لم يفرق ابن الماجشون بين العرض والعين، كما فرقه أصبغ، وكما لا يضمنه المستعير إذا ضاع عنده، فلا ضمان على المرأة فيه إذا أصدقته وضاع عندها.
قال محمد بن رشد: قول ابن الماجشون في مساواته بين العين وما يغاب عليه من العرض، إن المرأة ضامنة له، إلا أن تقوم البينة على تلفه على ما تأول عليه العتبي مفسرا لقول ابن القاسم، وذلك على قياس قوله وروايته عن مالك في المدونة، إن المرأة والزوج شريكان فيما أصدقها قبل الدخول، تكون غلة ذلك بينهما والمصيبة منهما إن طلقها قبل الدخول، وعلى قياس قول غير ابن القاسم الذي يرى الغلة لها، يكون الضمان منها فيما يغلب عليه من العروض وإن قامت البينة على تلفه. وفيما لا يغاب عليه من الحيوان، وهو قول مالك في أول رسم من سماع أشهب أخذ بذلك. وقد مضى القول على ذلك هنالك، ولم يعجب ابن حبيب تفرقة أصبغ بين العين وما يغاب عليه من العرض، على أنها أظهر من قول ابن القاسم؛ لأنها لو باعت العرض الذي أصدقها بعين أو عرض ثم طلقها، كان له أن يأخذ نصف ما باعته به، ولو صرفت العين أو اشترت به عرضا لغير جهازها ثم طلقها، لما كان له إلا نصف ما نقدها من العين، فكما يكون لها ربح العين، فكذلك يكون عليها ضمانه. والظاهر من قول ابن الماجشون إنها ضمانة للعين، بخلاف العرض مثل قول أصبغ، خلاف ما تأول عليه العتبي من أنه لم يفرق بين العين والعرض؛ لأنه مثل ذلك بالعارية، فقال: إن كل ما يضمنه المستعير، فالمرأة له ضامنة، ومستعير الدنانير والدراهم ضامن لها، وإن قامت البينة على تلفها؛ لأن الربح لها. فأما استدلال أصبغ بالزكاة فلا يلزم ابن القاسم؛ لأن الذي يأتي على مذهبه أن ما أدت من زكاة العين إذا قامت البينة على ذلك، بمنزلة ما تلف منه بالبينة والله أعلم.

.مسألة قال لها إن تزوجت عليك فأمرك بيدك فأذنت له قبل ما يريد التزويج بكثير:

قال ابن القاسم: وإذا قال لها إن تزوجت عليك فأمرك بيدك، فأذنت له قبل ما يريد التزويج بكثير، ثم طال، فأرادت أن ترجع لما طال ذلك، قال: لم يكن لها أن ترجع، ومن القوة في ذلك لو أذنت له أن يفعل متى ما أراده قبل أن يريد أن يفعل، ثم فعل بعد ذلك، فأرادت الرجوع لم يكن لها ذلك، وليس بيدها شيء إن شاء الله.
قال محمد بن رشد: قوله: إنها ليس لها أن ترجع إذا أذنت له ففعل خلاف ما تقدم لأشهب في هذا الرسم، وقد مضى القول في هذه المسألة موعبا في أول رسم من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته وبالله التوفيق.

.مسألة يدعى إلى الصنيع فجاء فوجد فيه لعبا أيدخل:

قال أصبغ: وسمعت ابن القاسم، وسئل عن الذي يدعى إلى الصنيع، فجاء فوجد فيه لعبا، أيدخل؟ قال: إن كان شيئا خفيفا مثل الدف والكبر الذي يلعب به النساء، فما أرى به بأسا. قال أصبغ: ولا يعجبني، وليرجع. وقد أخبرني ابن وهب أنه سمع مالكا يسأل عن الذي يحضر الصنيع فيه اللهو، فقال: ما يعجبني للرجل ذي الهيئة يحضر اللعب، وأخبرني ابن وهب عن مالك وسئل عن ضرب الكبر والمزمار، أو غير ذلك من اللهو، ينالك سماعه، وتجد لذته وأنت في طريق أو مجلس غيره، قال مالك: أرى أن يقوم من ذلك المجلس. قال أصبغ: وأخبرني ابن وهب عن بكر بن مضر، عن عمرو بن الحارث، «أن رجلا دعا عبد الله بن مسعود إلى وليمة، فلما جاء سمع لهوا فرجع، فلقيه الذي دعاه فقال له: ما لك رجعت، ألا تدخل؟ فقال: إني سمعت رسول الله عَلَيْهِ السَّلَامُ يقول: من كثَّر سواد قوم فهو منهم، ومن رضي عمل قوم كان شريك من عمله». قال أصبغ: وأخبرني ابن وهب عن خالد بن حميد عن يحيى بن أبي أسيد، أن الحسن البصري كان إذا دُعي إلى الوليمة يقول: أفيها برابط؟ فإن قيل: نعم، قال: لا دعوة لهم ولا نعمة عين. قال أصبغ: ما جاز للنساء مما جُوز لهن من الدف والكبر في العرس، فلا يجوز للرجل عمله. وما لا يجوز لهم عمله، فلا يجوز لهم حضوره، ولا يجوز للنساء غير الكبر والدف، ولا غناء معهما ولا ضرب ولا برابط ولا مزمار، وذلك حرام محرم في الفرح وغيره، إلا ضرب الدف والكبر هملا وبذكر الله وتسبيحه، وحمدا على ما هدى. أو برجز خفيف لا بمنكسر ولا طويل، مثل الذي جاء في جواز الأنصار «أتيناكم أتيناكم تحيونا نحيوكم ولولا الحبة السمرا لم نحلل بواديكم» وما أشبه ذلك. ولا يعجبني مع ذلك التصفيق بالأيدي وهو أخف من غيره. قال أصبغ: وقد أخبرني عبد الله بن وهب عن الليث أن عمر بن عبد العزيز كتب بقطع اللهو كله إلا الدف وحده بالعرس. فهذا رأيي وأحب إلى العامة والخاصة العمل به، ولا أرى به بأسا في الملاك على مثل العرس، وما فسرنا فيه فهو منه. وقد حدثني عيسى بن يونس عن خالد بن الياس العذري عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق عن عائشة أن الرسول عَلَيْهِ السَّلَامُ قال: «أظهروا النكاح واضربوا عليه بالغربال». ابن وهب عن عبد الله بن الأسود المالكي عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن الزبير بن العوام عن رسول الله عَلَيْهِ السَّلَامُ قال: «أعلنوا النكاح». قال أصبغ: فالإعلان به عندي الملاك والعرس جميعا أن يعلن بهما، ولا يستخفى بهما سرا في التفسير ويظهر بهما ببعض اللهو، مثل الدف والكبر للنساء. والغربال هو الدف المدور، وليس المزهر، والمزهر مكروه وهو محدث، والفرق بينهما أن المزهر ألهى، وكل ما كان ألهى فهو أغفل عن ذكر الله وكان من الباطل، وما كان من الباطل فمحرم على المؤمنين اللهو والباطل. قال عَلَيْهِ السَّلَامُ: «كل لهو يلهو به المؤمن حرام إلا ثلاث». قال القاسم بن محمد: إذا أجمع الحق والباطل يوم القيامة، كان الغناء من الباطل، وكان الباطل في النار. قال أصبغ: والباطل كله محرم على المؤمنين. قال الله تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا} [المؤمنون: 115] كما أن القمار محرم للهو، وميسره فهو لهو كله.
قال محمد بن رشد: قد مضى القول في اللهو والعرس، وما يجوز من عمله وحضوره، موعبا في رسم طلق ابن حبيب من سماع ابن القاسم. وفي رسم سلف دينارا من سماع عيسى، فلا معنى لإعادة شيء من ذلك ها هنا، والثلاث التي أبيح اللهو بها في الحديث المذكور: «ملاعبة الرجل امرأته، وتأديبه فرسه، ورميه عن قوسه». وبالله التوفيق.

.مسألة الجارية إذا كانت بكرا أو يتيمة فأقرت بعد الخلوة بأنه لم يمسها:

قال أصبغ: سمعت ابن وهب وسئل عن الجارية إذا كانت بكرا لا قضاء لها في مالها، أو يتيمة مولى عليها، أو صغيرة لم تبلغ المحيض، إلا أنه قد بلغ مثلها أن توطأ، فأقرت له بعد الخلوة وإرخاء الستور، بأنه لم يمسها، أينفعه تصديقها إياه، وإقرارها له، أو لا ينفعه؛ لأنها تسقط عنه بذلك نصف الصداق؟ قال: لا، بل ينفعه، ويسقط عنه نصف الصداق، ولا يلزمه إلا نصفه؛ لأن هذا مما لا يستدل على صدقه ولا على كذبه إلا بقولهن، فهن فيه مأمونات مقبول قولهن، كما هن مأمونات على الحيض والعدة والولادة وما أشبه ذلك، جعل الله ذلك إليهن. قال: ومن الدليل أيضا على ذلك ما فسرت لك من أن الصداق لا يجب مع الخلوة وغلق الباب وإرخاء الستر إلا بدعوى المرأة المسيس، فلو كان يجب بالخلوة بغير دعوى المرأة المسيس ما نفعه طرح البكر السفيه والصغيرة التي ذكرت لك عنه؛ لأنهن يطرحن شيئا قد وجب، وهن ممن لا طرح لهن، ولا قضاء في أموالهن، فلما كان لا يجب إلا بدعواهن، سقط بإقرارهن وتصديقهن الزوج بترك المسيس، لا بل بسكوتهن عن ادعائه يسقط فضلا عن غيره من الأشياء والله أعلم. قال أصبغ: ورأيي في جميع هذه المسألة من أولها إلى آخرها على قول ابن وهب وروايته عن مالك.
قال محمد بن رشد: قوله: إن الصداق لا يجب إلا بدعوى الزوجة المسيس، بكرا كانت أو ثيبا، كبيرة أو صغيرة، رشيدة أو سفيهة، ذات أب أو يتيمة، صحيح لا اختلاف فيه في مذهب مالك؛ لأن إرخاء الستر عند مالك وجميع أصحابه لا يوجب الصداق، وإنما هو شبهة يوجب أن يكون القول قول الزوجة في المسيس، كشاهد، واليد، ومعرفة العفاص والوكاء، مع يمينها إن أنكر الزوج المسيس. قاله في كتاب ابن المواز، وكتاب ابن الجهم، ورواه عيسى عن ابن القاسم في الذي يغيب على المرأة غصبا، فإن كانت صغيرة حلف الزوج وأدَّى نصف الصداق، إلى أن تبلغ فتحلف وتأخذ نصف الصداق الثاني، فإن نكلت عن اليمين لم يكن للزوج أن يحلف ثانية، وإن نكل أولا عن اليمين غرم جميع الصداق، ولم يكن له أن يحلفها إذا بلغت، حكم الصغير يقوم له بحقه شاهد، وقد قيل إنه لا يمين عليها إن كانت صغيرة، وهو بعيد؛ لأن الصغر لا يسقط اليمين الواجبة مع الكبر، فلا فرق بين الصغيرة والكبيرة، إلا فيما ذكرناه من تأخير الصغيرة باليمين. وقد روي عن أحمد بن المعدل أنه لا يمين عليها وإن كانت كبيرة، وهو بعيد، ما له وجه، إلا مراعاة قول من يرى الصداق واجبا لها بالخلوة وإن لم يكن مسيس، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه على ظاهر قول عمر بن الخطاب: إذا أرخيت الستور فقد وجب الصداق، فإذا أقرت أنه لم يمسها لم يكن لها إلا نصف الصداق، إلا أن يُقر الزوج أنه قد مس وهي أمة أو مولى عليها بأب أو وصي، فيكون لسيد الأمة أو ولي المرأة أن يأخذ الصداق منه بإقراره، ولا يكون لها أن تسقط حقا قد أقر لها به الزوج، قاله سحنون ومطرف. وخالفه في ذلك ابن الماجشون وغيره، ولا اختلاف في أن خلوة البناء توجب أن يكون القول قول المرأة في دعوى المسيس. واختلف إذا خلا بها ولم تكن خلوة بناء، على أربعة أقوال: أحدها: أن القول قولها حيث ما أخذهما الغلق، كان في بيته أو في بيتها، وهو أحد قولي مالك وبه أخذ مطرف وابن الماجشون، وابن عبد الحكم، وأصبغ، على ظاهر قول عمر بن الخطاب: إذا أرخيت الستور فقد وجب الصداق.
والثاني: أن القول قول الزوج حيثما أخذهما الغلق، ما لم تكن خلوة بناء، وهو قول عيسى بن دينار. والثالث: الفرق بين أن يكون أخذهما الغلق في بيته، أو في بيتها. وهو قول مالك الثاني، ومذهب ابن القاسم، على ما روي عن سعيد بن المسيب. والرابع: أنها إن كانت ثيبا فالقول قولها، وإن كانت بكرا نظر إليها النساء، فإذا رأيْن لها أثر افتضاض صُدقت عليه، وإن لم يرين لها أثر افتضاض، لم يكن لها إلا النصف من الصداق. حكى ذلك عبد الوهاب عن مالك وبالله التوفيق.

.مسألة المريض يوصي إن حدث به حدث الموت فقد زوجت ابنتي من ابن أخي:

قال أصبغ: سألت أشهب وابن وهب عن المريض يوصي إن حدث به حدث الموت، فقد زوجت ابنتي من ابن أخي، وأصدقتها عنه مائة دينار من مالي، فيموت، فقالا: النكاح جائز. قال أشهب: ولا يكون لها من مال الأب شيء، ولا يؤخذ الصداق من ماله، ويقال لابن الأخ: أعط الصداق من مالك والنكاح ثابت، فإن أبى ترك النكاح، ولا شيء عليه. وقاله ابن القاسم حرفا بحرف اجتمعا عليه.
وقال ابن وهب: يؤخذ من مال الميت وهي وصية لزوج.
قلت لابن وهب: فإن أبى أن يكون له من المال شيء؟ قال: لا.
قلت: أَفَتَرَى الآن أنها وصية للبنت، لو كانت وصية للزوج، كانت ها هنا؟ فقال: إنما هي له وصية على شيء، إن فعله تمت له، وإلا لم تتم له، كالذي يقول: إن أحسن فلان كفالة ولدي والقيام معهم وكفلهم بأعيانهم فقد زوجته ابنتي، أو قد وصلته بكذا وكذا، فإن فعل كان ذلك له، وإلا لم يكن له شيء. قال أصبغ: وقول أشهب وابن القاسم، أعجب إليّ؛ لأنها تصير وصية للبنت، وهي المرأة، فإن تم الفعل منه تم لها فهي وصية لوارث، وأراه قول مالك أيضا.
قال محمد بن رشد: قد مضى قبل هذا في هذا السماع ما فيه بيان لهذه المسألة، ومضى القول فيها مستوفى في رسم العارية من سماع عيسى، فلا معنى لإعادة ذلك هنا وبالله التوفيق.

.مسألة الوصي بمنزلة الأب في جميع أمور الولد الصغار:

قال أصبغ: الوصي بمنزلة الأب في جميع أمور الولد الصغار، كلما جاز للأب فيهم جاز للوصي، إلا شيئا واحدا، ليس له أن يزوج الصغيرة إلا برضاها؛ للحديث: «اليتيمة تُستأذن في نفسها». قال أصبغ: ولو تزوجت أم الصبيان، كان الوصي أولى بحضانتهم من أمهم، جواري كانوا أو غلمانا، وإن كن الجواري قد بلغن أبكارا، فالوصي أولى بحضانتهن من أمهن إن تزوجت. قيل له: فإن كان لهن أخ أو عم أو ابن عم عدولا رضا، أفلا يكون هؤلاء أولى بحضانة الجواري والصبيان من الوصي؟ قال: لا الوصي أولى بحضانتهم، ويكونون عنده من إخوتهم وإن كانوا رضا، وإن انتقل الوصي إلى بلد آخر، كان له أن يحملهم معه، الجواري والصبيان، وليس لإخوتهم، ولا عمومتهم أن يأخذوهم منه؛ لأنه بمنزلة أبيهم في كل شيء، إلا تزويج الإناث فقط قبل أن يبلغن، وما سوى ذلك فهو والأب سواء.
قال محمد بن رشد: قوله في أول المسألة في الوصي: ليس له أن يزوج الصغيرة إلا برضاها، كلام وقع على غير تحصيل؛ لأن الصغيرة ليس له أن يزوجها وإن رضيت، إذ لا رضى لها قبل البلوغ، فهو بخلاف الأب، في أنه لا يزوج الصغيرة أصلا، ولا البكر البالغ إلا برضاها. وقال: إنه أحق بحضانة الغلمان والجواري وإن بلغن، من الأم إذا تزوجت، ومن جميع الأولياء. وقد اختلف في ذلك، فقيل: إنما يكون الوصي إذا تزوجت الأم أحق بحضانة بنيها الذكور، وأما الإناث، فكونهن مع زوج أمهن؛ لأنه محرم منهن أولى من كونهن مع الوصي، إذ لا حرمة بينه وبينهن، إلا أن يخاف عليهن عند الأم غير الزوج، فيكون الوصي أولى بحضانتهن، وكذلك ابن العم، بخلاف الأخ والعم، لا اختلاف في أن الأخ والعم أحق من الأم بحضانة ابنتها إذا تزوجت. وقع هذا المعنى لمالك في كتاب ابن المواز. وهذا إذا أراد الوصي أو ابن العم أن تكون الابنة معه ومع أهله في داره، وأما إن أراد أن يعزلها قي موضع من يقوم عليها من ثقات النساء ولعلهن لها قرابات، فيكون أحق لها من الأم إذا تزوجت والله أعلم.

.مسألة الرجل يزوج ابنته البكر ويقر بقبض الصداق:

قلت: أرأيت الرجل يزوج ابنته البكر ويقر بقبض الصداق وذلك في صحة أو مرض؟ قال: إن كان في مرض اتهمته أن يكون إنما أراد بذلك الابنة، بمنزلة الذي يزوج ابنته ويتحمل الصداق وهو مريض، فيجوز النكاح، ولا يكون عليه الاحتمال؛ لأنها وصية للابنة. ولا تجوز وصيته لوارث، فإن كان صحيحا جاز ذلك على الأب إن كان موسرا، وإن كان معسرا اتبعته به دينا.
قلت: فإن قال الأب قبضته وضاع مني، ولم يكن عند الزوج بينة بالدفع إلا إقرار الأب. قال: إن كانت البنت بكرا لزمها ذلك، وكان قبضه لها قبضا، وضياعه منها ضياع، ولم يكن على الزوج شيء.
قال محمد بن رشد: قوله: إن كان في مرض اتهمته أن يكون إنما أراد بذلك الابنة، يريد: إن كان ذلك كله في مرض التزويج والإقرار، وفي حال واحدة أيضا، وذلك مثل أن يقول: أشهدكم أني قد زوجت ابنتي من فلان بكذا وكذا وقبضته منه، فهذا هو الذي يكون بمنزلة من يزوج ابنته في مرضه ويتحمل الصداق عنه، كما قال. ويدخل ذلك من الاختلاف ما دخله، وأما إن زوج ابنته في صحته أو في مرضه بصداق مسمى، ثم أقر بعد ذلك في مرضه أنه قبض منه، فإن كان الزوج موسرا أخذت ذلك من مال الأب إن كان له مال، واتبعته به دينا في ذمته إن لم يكن له مال، وكان للزوج أن يدخل بها عند ابن القاسم، خلاف قول أشهب فيما تقدم إنه إن لم يكن له مال، لم يكن للزوج إليها سبيل، إلا بدفع الصداق، يدفعه ويتبع به الميت المقر، وإن كان الزوج معدما، لم يجز إقراره في المرض؛ لأن ذلك وصية ابنته. وأما إن أقر في صحته أنه قبضه منه، فيبرأ الزوج بإقراره على كل حال عند ابن القاسم، ويكون للزوج أن يدخل بها، فإن ادعى الأب تلفه صُدق مع يمينه، من أجل حق الزوج، وكانت مصيبته منها، وإن لم يدع تلفه وكان معسرا، اتبعته به دينا، ولا يكون للزوج أن يدخل بها عند أشهب وابن وهب، حتى يؤدي الصداق إن كان الأب معسرا وادعى تلفه، فإقرار الأب في مرضه الذي مات منه بقبض صداق ابنته، يكون في حال وصيته لابنته لا يجوز، وذلك إذا كان إقراره بعد العقد والزوج عديم، وفي حال وصية جائزة للزوج، وذلك إذا كان إقراره بعد العقد، والزوج موسر، وفي حال يختلف، هل يكون إقراره وصية له أو لها؟ وذلك إذا كان إقراره مع العقد في حال واحدة. والله الموفق.

.مسألة رجل شرط لامرأته أن كل امرأة يتزوجها عليها فأمرها بيدها:

قال أصبغ: سئل ابن القاسم عن رجل شرط لامرأته أن كل امرأة يتزوجها عليها فأمرها بيدها، فيتزوج عليها سرا، وكتمها، ثم طلق التي شرط لها ذلك، قال: ذلك بيدها وإن طلقها. وقاله أصبغ.
قال محمد بن رشد: قد مضى القول على هذه المسألة وما فيها من الاختلاف في هذا الرسم، فلا معنى لإعادته.

.مسألة الرجل يتزوج على المرأة على أن يستشير فلانا:

قال أصبغ: قلت لابن القاسم: ما تقول في الرجل يتزوج على المرأة على أن يستشير فلانا؟ قال: لا يحل ويفسخ، دخل أو لم يدخل، إلا أن تكون مشورة فلان قريبا، وهو حاضر في البلد، فيرسلان إليه في فورهما ذلك، ليعلما رأيه فيجوز ذلك.
قلت: فإن كان كذلك فمات أحد الزوجين قبل أن يستشار فلان ورضي؟ قال: لا.
قلت: فإن قال المستشار: لا أرضى، ويقول الزوج: قد رضيت، أيثبت النكاح؟ قال: نعم ذلك له وهو ثابت.
قلت: فإن قال الزوج قبل أن يستشير فلانا: أنا أثبت النكاح ولا أستشير فلانا، قال: ذلك له أيضا، وهو بمنزلة الرجل يبيع السلعة على هذه الوجوه.
قال محمد بن رشد: قوله في الذي يتزوج المرأة على أن يستشير فلانا: إن النكاح يفسخ دخل أو لم يدخل هو أحد قولي مالك في المدونة، وفي رسم باع شاة من سماع عيسى. وقد مضى القول على ذلك هنالك، فلا معنى لإعادته. وقوله: إلا أن تكون مشورة فلان قريبا وهما حاضران، فيرسلان إليه في فورهما؛ ليعلما رأيه، فيجوز ذلك معناه: إذا كان ذلك في مجلسهما قبل أن يفترقا منه فيقوم من هذا، جواز النكاح على خيار المجلس. وقد مضى القول على ذلك أيضا في رسم باع شاة المذكور. وأما قوله إذا مات أحد الزوجين قبل أن يستشار فلان، إنهما لا يتوارثان، فهو صحيح، لا اختلاف فيه. وسقوط الميراث قبل الرضا وقبل المشورة، هي العلة في فساد النكاح على الخيار، أو على المشورة إلى ما بعد المجلس وإن قرب، وأما إن مات أحدهما بعد الرضا أو بعد المشورة وقبل الدخول، أو قبله وبعده، على القول بأنه يفسخ بعده، فيجري ذلك على الاختلاف الواقع في المدونة وغيرها، في وجوب الميراث والطلاق فيما يفسخ بحكم من الأنكحة التي اختلف أهل العلم في جوازها. وقوله: إن للزوج الذي اشترط المشورة أن يتركها وأن يخالف ما يشير عليه به المستشار صحيح لا اختلاف في المذهب أحفظه إلا ما حكى أبو إسحاق التونسي من أن ظاهر ما في كتاب ابن المواز المشورة، كالخيار في أن المستشار إذا سبق فأشار بشيء لزم، وهو بعيد. وقوله: وهو بمنزلة الرجل يبيع السلعة على هذه الوجوه: يريد في الحد الذي يجوز فيه الخيار والمشورة في النكاح وهو المجلس، على ما دلت عليه هذه الرواية.

.مسألة النصراني يوصي إليه أخ له مسلم أو عبد يوصي إليه أو امرأة يوصي إليها:

من سماع أبي زيد بن أبي الغمر، من عبد الرحمن بن القاسم.
قال أبو زيد: وقال ابن كنانة وابن القاسم في النصراني يوصي إليه أخ له مسلم، أو عبد يوصي إليه، أو امرأة يوصي إليها، إنهم كلهم يزوجون الغلمان، ولا يزوجون الجواري. وقال: لا يزوج العبد ابنته الحرة ويزوج ابنه.
قال محمد بن رشد: هذا مثل ما مضى في رسم باع شاة وغيره من سماع عيسى، وهو مبين لما في المدونة ولما في كتاب ابن المواز ولما في رسم سنّ من سماع ابن القاسم، وقد مضى هنالك القول في هذه المسألة مجردا. وتحصيل من يجوز للمرأة والعبد والنصراني، أن يلي عقد النكاح عليه، وفيمن لا يجوز لواحد منهم أن يلي العقد عليه، ويجوز له على ذلك، الاستخلاف، وفيمن لا يجوز لهم ولاية العقد عليه ولا الاستخلاف على ذلك، فلا معنى لإعادة شيء من ذلك وبالله التوفيق.

.مسألة الرجل يزوج ابنه صغيرا بشروط فيها طلاق أو عتاق:

وسئل ابن وهب عن الرجل يزوج ابنه صغيرا بشروط فيها طلاق أو عتاق، إن ذلك لازم للابن وإن كبر؛ لأنه وطئ عليه، وأنه لا يفسخ النكاح لذلك، دخل أو لم يدخل، والشروط لازمة له؛ لأن أباه الناظر له.
قال محمد بن رشد: إلزامه الشروط التي شرط عليه أبوه وهو صغير، خلاف مذهب ابن القاسم فيما يأتي بعد هذا السماع، وخلاف ما حكى عنه ابن حبيب من رواية أصبغ، وعن ابن الماجشون، من أنها لا تلزمه إلا أن يلتزمها بعد البلوغ، فإن أبى من التزامها لم يلزمه النكاح، ولا شيء من الصداق، إلا أن ترضى المرأة بإسقاط الشروط عنه، فيلزمه النكاح، فإذا دخل بها قبل البلوغ أو قبل العلم بالشروط سقطت عنه، وإن دخل بها بعد البلوغ، وبعد أن علم بالشروط لزمته. وفي كتاب محمد بن المواز عن ابن القاسم من رواية أصبغ عنه إنه إن لم يرض قبل البناء بالشروط، قيل له: إما أن ترضى وإما أن تطلق، فإن طلق فعليه نصف المهر. وهذا إذا اعتبرته من قول ابن القاسم مثل قول ابن وهب، ومثل قول ابن الماجشون، في الذي يزوج ابنه الصغير ولا مال له، فيكتب الصداق عليه، إن ذلك لازم له. وقد مضى ذلك في رسم باع شاة من سماع عيسى.

.مسألة رجل يزعم لقوم أنه من فخذ من العرب فيوجد من غير ذلك الفخذ:

وعن رجل يزعم لقوم أنه من قريش، أو من فخذ من العرب، فيوجد من غير ذلك الفخذ. قال ابن القاسم: إن كان مولى فالمرأة بالخيار، إن شاءت أقامت وإن شاءت فارقت، إذا كانت عربية، وأما إن كان عربيا وهو من غير القبيل الذي سمّى، فلا أرى لها خيارا، وأراها امرأته، إلا أن تكون قرشية، تزوجت على أنه من قريش، فإذا هو من العرب، أو تكون عربية، تزوجت على ادعائه، فذلك لها.
قال محمد بن رشد: اضطرب قول ابن القاسم في هذه المسألة؛ لأن قوله في أولها: إذا كانت عربية، يدل على أنها إذا كانت مولاة فتزوجته على أنه من قريش أو من العرب، فوجد من الموالي، فلا خيار لها من أنها إذا كانت من العرب فتزوجته على أنه من قريش فوجد من العرب فلم ير لها على هذا خيارا بما شرطت، إلا أن يوجد الزوج أدنى منها، مثل أن تكون من العرب فتزوجته على أنه من العرب أو من قريش، فيوجد من الموالي، أو تكون من قريش، فتتزوجه على أنه من قريش، فيوجد من الموالي أو من العرب. وقوله في آخرها: أو تكون عربية تزوجت على ادعائه، يريد تزوجته على أنه من قريش، فوجد من العرب، فلها الخيار، خلاف قوله أولا إذ جعل لها الخيار إذا وجدته أدنى مما شرطت وإن كان مثلها ولم يجعل لها أولا خيارا بما شرطت، إلا أن يوجد أدنى منها، ويلزم على قوله آخرا إذا كانت مولاة فتزوجته على أنه من قريش، فوجدته من العرب أو من الموالي، أو على أنه من العرب، فوجدته من الموالي أن يكون لها الخيار، وهو أظهر على قياس قولهم فيمن ابتاع عبدا على أنه من جنس، فوجده من جنس آخر أدنى من ذلك الجنس، فتحصيل هذا أنه إذا وجدته أفضل مما شرطت لم يكن لها خيار، وإن وجدته أدنى مما شرطت، وأدنى منها فلها الخيار، وإن وجدته أدنى مما شرطت وهو أرفع منها أو مثلها ففي ذلك قولان: أحدهما أن لها الخيار، والثاني لا خيار لها، وهما قائمان من هذه الرواية، على ما بيناه. وإذا وجب لها الخيار فاختارت نفسها قبل الدخول، فهي تطليقة بائنة ولا شيء لها من الصداق، وإن لم تعلم حتى دخل بها، فاختارت نفسها بعد الدخول، فهي تطليقة بائنة أيضا إن لها جميع صداقها؛ لأنها قد استوجبته بالمسيس. وكذلك الحكم في الرجل يتزوج المرأة على أنها من قريش أو من العرب، فتوجد على غير ذلك، يكون للرجل الرد، حيث يكون للمرأة الخيار وبالله التوفيق.